تهويد القضية والهوية
بقلم د.أحمد السعيد
تهويد القدس... تهويد فلسطين... تهويد المنطقة...تهويد الهوية...
عناوين سمعناها كثيراً، ولكنها لا ترتقي إلا لموقع الشعارات الفضفاضة المُشَتِتِةْ للمغزى الرئيسي من وجود هذا الكيان الاستيطاني السرطاني التوسعي الخبيث الذي جثم على أرضنا المباركة ليحل بها مجموعات لصوص ٍ من عصابات ٍيهودية ٍ من شتى مناحي الأرض بحجة عقيدة ٍ باطلة ٍ وخَرِبَة ٍ تحت عنوان "أن الأرض لهم بحكم عقيدتهم المفبركة ، مضافاً عليها التأييد العالمى المتمثل في المعسكر الصهيوصليبي ومعه وبعده زمرة الخونة والعملاء والانتهازيين وأصحاب المصالح"...
فإذا كان الأمر كذلك، فمن الواجب علينا ألا نمزق القضية ونفرقها بين الضفة وغزة واللاجئين والمغتصبات والقدس وفلسطين، وأنْ نجعلهم كلهم في سلة ٍ واحدة ألا وهى "القضية الفلسطينية"، وأن لا ننجر لهذا المخطط الصهيوني التهويدي الذي لا يقف عند حد ، ولا يحده حد ، ويحاول أن يشمل ويبتلع كل حد ،وما يلي يمثل قليل من كثير الدلائل والبراهين لما نتحدث عنه :
1- إن تهويد كل شيء بدأت بواعثه منذ بدء الانتداب البريطاني على الأرض المقدسة كلها، والتي سعى فيها المستعمر الغربي إلى التمكين للمغتصبين الصهاينة من الاستحواذ على مقدرات البلاد والعباد من أجل تحقيق الهيمنة والسيطرة اليهودية عليها، ولقد عزز المحتل حالات الاجتياح الاستيطاني والمغالبة العسكرية بالتعضيد والمساندة بل والمشاركة في مختلف مراحله الممنهجة في سبيل تحقيق الغاية المأمولة والهدف الممنون...
2- ولعل سياسات الاستيطان التوسعية الشاملة لكل شبر ٍ بفلسطين التاريخية والتي بدأت مع الانتداب حتى وصلت إلى أوجها في خلال السنين الماضية ولاسيما بعد سلسلة المفاوضات المتتالية والمنبطحة تحت حذاء الفأر اليهودي وربيبه الصليبي الأمريكي، لعلها تدلل على أن الغرض الرئيس لهذا الخطوات وغيرها ليست القدس وحدها، ولكن الأرض والمقدسات والتراث والهوية بل والعقيدة - إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا ً...
3- السياسة اليهودية التي أعلنها قادتهم في أكثر من موضع والتي تقضي بأنَه "على اليهود أنْ يُضيقوا الخناق على عرب فلسطين جميعا ًً ، حتى يضطروهم إلى الخروج من كل فلسطين" ، وهذا المبدأ آمن به يمينهم ويسارهم ووسطهم، ويكأنهم أبوا أن يتصفوا بأطياف السياسة المختلفة والمتعارف عليها من قِبَلْ النظام العالمي كله ، فتوحدوا على مبدأ الإفناء لصاحب الحق ، ومايلي مؤشرات ٍ ودلائل على ذلك:
* الحفريات المتعاقبة للأنفاق والسكك المهددة للمسجد الأقصى وبناياته وباحاته بل وكل البلدة القديمة، وكذلك ماقام به متطرفي المستوطنين على مدار العقود الماضية من حرق ٍ للمسجد المبارك ، ومحاولات اجتياحه المتواصلة والمتتالية والتي كان آخرها إعلانهم عن عزمهم على تسيير مسيرة كبرى وغير مسبوقة لاجتياح المسجد الأقصى المبارك تحت عنوان "حملة شدّ الظهر".
* وكذلك ما حدث بالحرم الإبراهيمي من انتهاك ٍ ومجازر ٍ.
* ومحاولة طمس معالم الأرض الأثرية الإسلامية الفلسطينية وكذلك محو هوية أهلها.
* الحصار والخناق على أهل فلسطين والذي وصل إلى مراحله القصوى في غزة منذ أكثر من سنتين.
وكل ذلك تحت رعاية وعناية سلطات الكيان الممجوج والملفوظ من كل المحيط الإسلامي والعربي. ولقد تصدي الفلسطينيين لهؤلاء المتطرفين فسقط منهم الشهيد والجريح وهم على ذلك ثابتين صامدين متمسكين بحبل ربهم وهدى نبيهم...
4- والمحاولات الأخيرة للحصول على الاعتراف بيهودية الدولة هي من وسائل الوصول لحسم الصراع الديمغرافي الذي فشلوا فيه من خلال محاولات سحب الهويات وطرد الأهالي والاستيلاء على مئات الدونمات و مصادرة العقارات والتعنت فى البناء وتراخيصها وتشويه التراث كمحاولة لتقليص الوجود الفلسطيني وكيانه وتاريخه، وكذلك إقامة المستعمرات و البنى التحتية والمناطق الصناعية الجديدة، ولذلك الكثير من الشواهد المبرهنة على تلك المخططات الشيطانية.
وبعد هذا كله ، إن المُعَوِلْ الأساسي والرئيس على تغيير هذا الواقع البائس الذي تحياه الأرض المقدسة لن يكون له حاضر إلا من خلال الشعوب الإسلامية والجماهير الثائرة والرافضة للإذلال والهوان الذى يُسِيِمُوُنَهْ أحفاد الأفاعي لمسجدهم الأقصى وللأرض التي باركها الله حوله، بعيداً عن الوضع الرسمي العربي والإسلامي المتهاوٍي والمهتريء لدرجةٍ لم يسبق لها مثيل، فضلاً عن يهود العرب برام الله الذين يمثلون الخادم الأمين والوفي لأسيادهم وأرباب مكانتهم ونعمهم الزائلة ، والذين لم يتركوا فدائي إلا طاردوه، أو مخزن أسلحة إلا صادروه، ناهيك عن التعاون الأمني مع الكيان المزعوم ، وأخيراً وليس آخراً المفاوضات التي تجرى في مدينة القدس بما يعني التسليم الكامل من إدارة القطاع بأنَّ القدس هي العاصمة الأبدية والموحدة للكيان الغاصب الملعون.
إن حقنا معنا وله قدمين راسختين ومتجذرتين في أرضنا وتراثنا، أما باطلهم فإنه ضعيف ٌ ومتهالك ٌ وإن ظهر على خلاف ذلك، ويتميز بأنه لا يقف على قدميه، لذا سنظل نهتف باسم حقنا المغتصب المسلوب، وسنظل في الذود عنه والعمل على عودته للإسلام والمسلمين دون أن نستمر في التباكي على ماضينا التليد. وذلك كله قبل أن نصحو على يوم ٍ أسودٍ فنجد أن القضية والهوية قد تهودت بتطبيع ملأ المحيط بعفانته ونكادته وذله وهوانه...
{ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا } [ الإسراء : 7 ]